الموضوع فيه إنَّ
لنأخذ فاصلا ترفيهيا اليوم 😄️
يحكى أن أميرا من حلب يدعى علي بن منقذ قد حدث له خلاف مع ملك حلب محمود بن صالح، فهرب ابن منقذ إلى خارج البلاد خوفا من بطشه، فأحضر ابن صالح صديقا لابن منقذ بينهما مودة أكيدة وطلب منه أن يطمئنه ويستعطفه ليعود لحلب. فشك كاتب الرسالة في نوايا الملك وفطن إلى أن ابن منقذ متى عاد هلك، فأراد أن يعطيه إشارة عمياء في الرسالة يحذره بها إلى ألا يعود، فكتب في نهاية الرسالة "إنّ شاء الله تعالى" وشدد النون.
فلما وقعت الرسالة في يد ابن منقذ قال "هذا صديقي وما يغشني ولولا أنه علم صفاء قلب ابن صالح ما كتب لي هذا" وعزم على أن يعود، وكان معه ابنه، فلما قرأ ابنه الرسالة قال له "يا أبت مكانك، فإن صديقك قد حذرك، وقال: لا تعد." فسأله أبوه "وكيف ذلك؟" فقال له "إنه قد كتب (إن شاء الله تعالى) في آخر الكتاب، وشدد إن وكسرها، وضبطها ضبطا صحيحا لا يصدر مثله عن سهو، ومعنى ذلك أنه يقول: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [القصص:20] وإن شككت في ذلك فأرسل إلى حلب". فصار يضرب المثل للموضوع إذا كان فيه شك أو سوء نية فيقال له "الموضوع فيه إنَّ".
وبعد البحث تأكدت من وجود القصة في كتاب اسمه "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" لابن الأثير، في فصل "النوع الحادي والعشرون في الأحاجي"، ويقول ابن الأثير في نهايتها "وهذا من أعجب ما بلغني من حدة الذهن وفطانة الخاطر، ولولا أنه صاحب الحادثة المخوفة لما تفطن إلى مثل ذلك أبدا، لأنه ضرب من علم الغيب، وإنما الخوف دله على استنباط ما استنبطه."
تعليقات
إرسال تعليق